كوريــــا ، أحد الاحياء المسكوت عنها
وأحد أشهر أحياء الدعارة في الخرطوم .
لم
ينل هذا الحي حظه من التوثيق والحديث عنه ، وساحاول هنا أن أسلط عليه بعض
الضوء على أن يدلى من يعرف عنه شئ بدلوه ، لنوثق له ، وسأكتب ما يخطر ببالي
دون ترتيب ، وممكن أنطط في الكتابة ، فعذراً ..
سأحكي عنه ، بحسب معرفتي به ، والتي لم تتجاوز الرصد ، والمعايشة البرئية لشكل الحياة في ذلك الحي الغريب
حيث كنا وقتها أطفالاً ، وبالتالي لم نكن لنستطيع استكشاف الجانب الآخر لذلك الحي ، والذي بسببه وُجِد.
حي كوريا ، كان أحد أهم وأشهر أحياء الدعارة في الخرطوم ، وأهم أجزاء ( الديم )
يقع في الجزء الشمالي من الديم ، يحده شمالاً (ترب فاروق)
وشرقاً ينتهي ببيت (ف . ك) رحمها الله ،، غرباً ينتهي ببيت حجة (خ )
أما جنوباً فحدوده بداية بيوت ديم التعايشة.
كانت بصات الديم تمر بهذا الحي ، وتجلب له الرزق والشغل والحركة ، وكانت محطة كوريا أحد أشهر محطات بصات الديم ( زمان ).
كانت
بصات الديم القادمة من وسط الخرطوم سالكة شارع القصر جنوب (الصحافة زلط
حالياً) تنعطف شرقاً ( حالياً امتداد شارع 15 ) عند وصولها لمطعم ( الفردوس
) سابقاً، وتنحرف جنوباً عن بداية ترب فاروق من الجهة الجنوبية الغربية
أها في اللفة دي بالذات ، يبدأ حي كوريا..
وتدخل البصات بعدها الديم ، لتمر بالساحة الشعبية وسوق الديم ، وتقيف في محطتها الأخيرة ، فيما كان يسمى في السابق بـ(تمر أبونا) ..
البصات في ذلك الزمن كانت أسمائها البعيو ، والهنقاري والمرسيدس ..
كوريا كان نقطة عبور هامة في زمن ما ، لكثير من سكان الديم والاحياء المجاورة ، وسكان ( الخرطوم عموم )..
( قرمة ) كان ميكانيكي شاطر ، عند عودته من المنطقة الصناعية وقبل ذهابه الي المنزل ،
وبي هدوم الشغل المليانة شحم وزيت ، وعرق كان يمر على كوريا
يقضي وطره ويحتسي عدد مقدر من قزاز البيرة أم جمل ( والشراب اسكوب )
يستحم ، وينوم ليصحو عند التاسعة ، ويقشر ، ليبدأ السهرة
قعدات كانت تجمع المثقفين والمياكنيكية والعواطلية والتجار وصغار الموظفين
القاسمم المشترك لتلك القعدات كان (العود) أحياناً أو جك الموية في أحايين اخرى
لا تكاد تخلو ( حلة ) من عارف عود ، أما (الغنايين ) فكل السّمار فنانيين ..
غنا قعدات منتقى ومختار بعناية ، ينم عن ذوق راقي ومزاج سلطاني
ونسة تتخلل استراحات الغنا ( كما Interval سينما النيلين أو جنوب أوغرب)
كانوا يتحدثون بلسان ، وفهم يكاد يكون واحد ، وتحتار ( عندها ) في معرفة المثقف من غيره ..
وضحكات صافية ، ما شايلة أي هم
العشاء إما أن يكون ( حلة ) مجيهة ، ترقد في وداعة على كانون ( منقد ) في أحد أركان الحوش
يقوم أحدهم بمتابعتها والاهتمام بها الى أن تنضج ..
أو أن (يجيبوا عشاء جاهز ) ويكون آخر مكوناته ( الفول الثقيل ) هذا أن أحضروه ( شغل مجيهة تمام )..
قوارير معبأة وفقاً للضوابط الصحية
أين هي من (أبوحمار) الذي يؤتى به أحياناً في الأكياس ومرات في (الباغات) أوجكوك الفول
ويفضل الآن طريقة الـHome Delivery فهى أكثر أماناً.
بعض سُمار القعدات ، ينسحب بهدوء ، ليتجه صوب (كوريا) لا فرق ان كان ذلك قبل العشاء أو بعده
فما أسهل ( في ذلك الزمان ) أن تجد ما تأكله في أي وقت ، وما يقلك لمنزلك ، ولو كان في آخر الدنيا.
غالباً ما تكون كوريا آخر محطة للكثيرين ، وذلك بعد( القعدة ) وقبل الذهاب للنوم .
كان حجز البيت لعزومة أصدقاء أعزاء ، أو الترحيب بضيف عزيز ، أمراً عادياً
حيث يقوم سكان ذلك البيت من نساء ( وطاعمين ) بتجهيز الوليمة ، وكل ملحقاتها من مشروبات ، ونساء ، ولوازم طرب .
كنا نذهب الى كوريا برفقة (ح إ) جارنا في الحي ، وأحد فتوات كوريا المعروفين
كان قصير القامة ، قوياً جداً ، خاصة بعد أن (يصلّح) راسو
وكثيراً ما بستعان به لفض مشكلات تحدث هناك ويعجزوا عن فضها ..
وصناعياً لا يشق له غبار
كان يستعين بأبناءه لمساعدته في صناعة غرف الخشب الصغيرة في بيوت كوريا الكبيرة
البيوت هناك تختلف مساحتها عن مساحة بيوت الديم ، فمعظمها تتجاوز مساحته الخمسمائة متر
وكانت طبيعة العمل هناك تتطلب اضافة غرف ( لزوم الشغل ) وكان يصنعها لهم جارنا ذاك ، وأبناءه
وكنت أرافقهم في الاجازات المدرسية ..
لم يكن ينقدنا شيئاً ، وكنا نكتفي بالفطور الطاعم الذي يقدم لنا هناك
وكان من أهم وأمتع الحوافز لي وأبناءه ، طشت (مريسة) يضاف اليها الكوكا كولا
وكمية من التلج (عشان نحن صغار وكده) أما جردله هو ، فممنوع الاقتراب منه..
كان يرسلنا أنا وأثنين من أبناءه ( أصدقائي ) لنحضر جردلين مريسة (عاااادي)
كان يمنعنا من الاقتراب منها (المريسة) قبل أن يطمئن الى أن عمله على وشك الانتهاء
حيث أن عبارين مريسة كانا كفيلين بارسالنا الى نوم لا يوقظنا منه الا آذان المغرب
وكثيراً ما كان يعود وهو يحمل اثنين من ابناءه في كتفيه وهم في نوم عميق
والأغرب أن الجميع كان يرى في ذلك امراً طبيعياً ، ولم يزجرنا يوماً أحد أو (يشاكلنا)
وتلك هي الحياة في ذلك الزمان ، استكشف بنفسك ، وقرر..
كل أصناف البشر تراهم في كوريا ، تجار بعربات فارهة بمقاييس ذلك الزمان
عمال ، موظفين ، طلاب ، شباب ، مراهقين ، كهول ( وعجائز ) يتوكأون على عكاكيز
قد تستغرب من وجود أولئك العجايز هنا ، إن لم تكن تعلم أنهم من (الزبائن) الدائمين
لا يكاد يمر يوم في كوريا دون أن تنشب (شكلة ليها ضل)
مشاكلهم تختلف عن بقية مشاكل (خلايق الله)
يميزها العنف الشديد ، ما أن تبدأ مشكلة ، والا ويكون نتيجتها دماء
تشمل معظم الموجودين في ذلك المنزل ، وفي ذلك التوقيت.
أما اذا كان أحد طرفي المشكلة أحد ( الجماعة ) الطاعمين فيُنصج بالمخارجة السريعة
فهؤلاء ( الجماعة ) يتميزوا بقوة غير طبيعية ، وشراسة وعنف غريب جداً ، وجرايين جري ، قدر ما تجري يلحقوك
تشوف الواحد فيهم تقول ده الهواء يشيلوا
لكن ممكن ( يضاير ) بيت كامل ملئ بالرواد ، ودي أنا شفتها وحضرتها أكتر من مرة
ياخ خليك من البيت ، أنا شفت واحد منهم قبل كده ( طقطق ) كومر بوليس كامل ، بي كلبو
وكثيراً ماتنتهي تلك المشاكل بأذي بليغ يصيب بعض ممن تسبب أو شارك في تلك المشكلة
كثيراً ما كنا نرى هناك ( ناس الحكومة ) الكبار وهؤلاء كانوا يجدون عناية خاصة وتعامل مختلف
هم والتجار الكبار
فما أن يصل أحدهم حتى ( يقفل البيت ) ويجلس أحد (الجماعة) في الخارج ويمنع الدخول
( قفل البيت ) دي حركة بيعملوها ناس الحكومة الكبار ، والتجار والصنايعية في أي وقت
أما بالنسبة للموظفين والعمال، فهؤلاء يمكن أن ( يقفلوا ) أول الشهر
( قفل البيت ) معناها أنو الحساب كلو عليك ، ولازم ( تنزل ) الشراب ، وأهمه البيرة الباردة
كانت لديهم تلاجات ( صناعة محلية ) تُفتح من الأعلى ، تُملأ بالبيرة وتغطي بالتلج
كان ذلك الحي مصدر رزق لكثير من الناس ، بتاعين التلح ، بياعين الخدار ، الجزازير
أسياد الدكاكين ، بتاعين القزاز ...
قزازة البيرة أبوجمل الفاضية ، كانت أغلاهن ، حيث تباع بقرشين
لم يكن من اللائق أن تَوصِف رواد ذلك الحي ، خاصة من ناس الديم ، بقلة الأدب أو عدم الاحترام
فكثير من رواده من الناس المشهود لهم بالاحترام
أن
يكون ذلك الحي جزء مما يدخل فيما تتعامل معه يومياً أو تسمع عنه ، فسيكون
التعامل معه ( الحي ) أو رواده أو حتى قاطنيه ، تعاملاً طبيعياً جداً ..
نعرف سكانه بالاسم ، ونلتقيهم في أماكن كثيرة ، الدكان ، الجزر ، الخضار ،
بتاع التلج (وده كانوا مكرهننا فيهو ) لو ما مشيت بدري ولحقت ليك ربع لوح ،
الله معاك ..
نحترمهم ، ويحترومننا ، لم يكن الدافع للدعارة في ذلك الزمان (صـعـلـقـة) وقلة أدب
بل كنا نعرف أن كثيرات من هؤلاء النسوة يرجعن الى بيوتهن وأطفالهن عصراً أو عند المغرب
وكثيراً ما نلتقي بابناءهن ، أو بناتهن ، ولم نكن ننظر إليهم بنظرة تختلف عن نظرتنا لود الجيران
أو ود الخالة
علماً بأن هناك عدد من سكان ذلك الحي ممن لا يمتهنون الدعارة، ويميز بيوتهم لافتة مكتوب عليها ( منزل أحرار )
إلا أنه في بعض الأحيان تستعمل هذه اللافتة ، في بيوت للدعارة ، وفي الغالب يكون السبب تجنب (الحكومة وكشاتها ) .
أحد النماذج هو جارنا ( أ.أ ) أحد وجهاء الديم ... رجل يكن له الجميع الاحترام، وهو فعلاً جدير به
مسموع الكلمة ، مشارك ( بالتقيل ) في كل مناسبات الحي والأحياء المجاورة
عرس أو بكاء أو سماية أو طهور ، أو مرض ، أي حاجة فيها مشاركة مادية ، أو بالرأي
تجده أول المساهمين. وظيفتو كبيرة ، ويمتلك عدداً كبيراً من العقارات
ويعلم
الجميع انه أحد أهم رواد كوريا ، وله ( صاحبة ) هناك ، ويحترمه سكان ذلك
الحي ويهابونه ويمكن بكلمة منه ( يغطس ) حجر أكبر راس هناك
كان أولاد الحلة ، وقبل ولوجهم الى ذلك الحي ، يتأكدوا من عم وجود ( أ.أ ) هناك احتراماً له ( ده كلام غريب)
( الصاحب والصاحبة ) هي شكل من إشكال العلاقات وأغربها
كان لمعظم النساء هناك ( صاحب ) ما أن يأتي اليها حتى تتوقف خدماتها التي تقدمها للعامة ، لتخصه بها
تتعدد اسباب ذلك النوع من العلاقة ، فاحياناً تكون دوافعها توفير الحماية
ومرات مادية ( أموال وهدايا ) وبعضها ( حب )
و الاخيرة هذه هي الغالبة ، فمعظم العلاقات التي قامت هناك لم يكن (الصاحب) فيها من ذوي القوة والنفوذ ، أو المال
وتنتهي تلك العلاقات إما بالزواج ، وهذا هو الغالب ، أو بالتشويه أو القتل
وقد حدثت هناك جرائم قتل ( ضبح عديل ) كان سببها الأساسي ، ذلك النوع من العلاقات.
ونواصل ...
No comments: