ايام كارلوس في الخرطوم.. مشهد (103)




مشهد 103

حين همَّ كارلوس بمغادرة النادي السوري برفقة هناء وبلين، لمح ليلي قادمة نحوه مباشرة، فتجمَّد في مكانه تماماً… مدَّت ليلى يدها نحوه قائلة بخُبث: «كان الحفل والرقص بديعاً، لم تنقصه إلا الدبكة الفلسطينية… أين لُبنى؟!»…

 

مشهد (104)

 

انخرط الوفد الأمني عقب عودته من باريس في سلسلة من الاجتماعات بغرض وضع خطة أكثر تحديداً للتعامُل مع قضية كارلوس بعد أن شهدت تطوراً لافتاً في الإعلام الفرنسي خاصة، والغربي عامة. بالفعل قدَّم حسب الله وصلاح سعد تصوُّرهما لكيفية التعامُل مع المرحلة القادمة في اجتماع موسَّع لقيادات الجهاز، خُصِّص لموضوع كارلوس. حدَّدت الخطة ثلاثة محاور:

    الأول، يتعلق بتأمين كارلوس شخصياً، بعد أن اتضح أن المخابرات الفرنسية والأمريكية تترصَّدان تحرُّكاته بدقة،
    المحور الثاني يتعلق بطرح خيارات التعامُل مع كارلوس، ومع الفرنسيين من الجهة الأخرى، فالصورة لم تكن واضحة في ما يتعلق بتلك الخيارات، واتضح أنها تحتاج لمزيدٍ من الوقت لإنضاجها.
    وركَّز المحور الثالث على الجوانب السياسية في القضية.

 

هنا أبدى صلاح ملاحظتين: الأولى، تتعلق بالمكاسب السياسية التي يمكن أن يحصدها السودان إذا أبرمت أي صفقة… والثانية، هي ضرورة وضع القيادة السياسية في الصورة، إذ لم يعُد الأمر شأناً أمنياً بحتاً، فقد تقتضي التطورات قراراً سياسياً على أعلى مستوى.

 

وافق الاجتماع على المحاور الثلاثة، وكلف لجنة برئاسة حسب الله لوضع تفاصيل الخُطة وعرضها على الاجتماع المقبل.

 

مشهد (105)

 

جلس كارلوس أمام  لُبنى مستمعا للحجج التي أعدَّتها لإقناعه بضرورة مغادرتها الخرطوم. أهمها أن والدتها بالمستشفى في الأردن ولا بد أن تكون بجانبها وهو في لحظاتها الأخيرة. ثم إنه ليس لديها ما تفعله هنا وقد اطمأنت عليه بوعد أن تعود للخرطوم متى ما تيسَّرت الظروف.

 

لولا المستجدات التي شهدتها حياته بمجيء هناء وزيارة أبومدين التي وضع تحت تصرُّفه مبلغاً مقدراً، لرفض كارلوس منطقها تماماً، ولكنه الآن يبدو مستعداً للتجاوُب معها، وبدا ذلك مريحاً له. وافق كارلوس على عودتها للأردن متعللاً بأن الأوضاع في السودان لم تعُد مأمونة، وخيرٌ لها أن تكون بقرب الأولاد وتتركه يتصرَّف بمفرده إذا ما جرى له طارئ.

 

كانت لبنى التاجي قد رتبت أوضاعها للمغادرة منذ زمنٍ، وكانت تنتظر نهاية قصة أبومدين، وهاهي أحلامها تتحقق بهِـبة أبومدين لكارلوس، الشيء الذي شجَّعها لأخذ نصيبها من الأموال التي تدفقت بين يدي كارلوس قبل أن يُبدِّدها في سهراته ونزواته.

 

مشهد (106)

 

وصلت رسالة عاجلة من مكتب السيد فيلب روندو في باريس يُخطرُ فيها جهاز الأمن باعتزامه زيارة السودان خلال الشهر المقبل، لمواصلة الحوار حول الموضوع العالق بين الطرفين. تفسير الخطيب لتلك الرسالة أن الفرنسيين جادون في إغلاق ملف كارلوس، ويحاولون التوصُّل لنتائج سريعة. كان تقدير صلاح وحسب الله أن ما يقوم به الفرنسيون نوعٌ من الضغوط التي يجب ألا يُستجابُ لها. ولذا قرَّرا أن يتجاهلا الرد على البرقية، أو على الأقل ألاَّ يرُدا عليها بشكلٍ عاجل، وخاصة أنهم في سباقٍ مع الزمن لترتيب أمورهم داخلياً.

 

مشهد (107)

 

طلب ”ناصر العليان“، مدير المخابرات اليمنية قبل مغادرة الوفد اليمني الخرطوم بساعات من مدير المراسم ترتيب لقاء له مع ”سالم حميد“. ولمَّا كان مدير المراسم يجهل الأمر كلية، ولا يعرف من هو ”سالم“ ولا أي شيء، نقل الطلب لضابط الأمن المرافق للوفد، الذي لم يكن بأفضل حال من مدير المراسم.. حين رأى ناصر العليان حالة الاضطراب التي دخل فيها مدير المراسم وضابط الأمن، طلب إليهما أن يوصلاه بمدير المخابرات عاجلاً، وبالفعل وصلت الرسالة لـ”هاشم أبا سعيد“ مدير الأمن الخارجي، الذي أمر بتحويلها لحسب الله وصلاح سعد… بالفعل، وصل الاثنان لمقر ناصر العليان بالفندق الكبير، وحاولا أن يقنعاه بصعوبة ترتيب اللقاء في هذا الزمن الوجيز، لكنهما فوجئا بإصرارٍ غريبٍ من ناصر على ضرورة إتمام اللقاء. خشي كلاهما ـ صلاح وحسب الله ـ من التصرُّف بمفردهما، ولذا أُرجئ القرار لحين عودتهما لمقر الجهاز والتشاور. هنالك كان التقدير أن كارلوس أصبح الآن مكشوفاً لكل أجهزة المخابرات، ومن قبل التقاه أبو نضال، ثم أبومدين قبل يومين، فلن يضير لقاؤه بناصر، وخاصة أنه لقاءٌ ذو طابع اجتماعي وإنساني… كسب ناصر العليان ومدُّ جُسور التعاوُن مع المخابرات اليمنيَّة سيُفيدُ كثيراً في خضم التوترات التي تشهدها منطقة القرن الإفريقي. ثمَّ أشار حسب الله أنهم قد يحتاجون للعليان في مرحلة قادمة في موضوع كارلوس نفسه، فكان القرار: السماح للعليان بمقابلة كارلوس.

 

مشهد (108)

 

قدَّم صلاح للترابي تقريراً ضافياً حول لقاءاتهم مع الفرنسيين، وأطلعه على الإستراتيجية التي تمَّ وضعها للتعامُل مع قضية كارلوس… بدا الترابي زاهداً في موضوع كارلوس تماماً، فلم يُبد رأياً، بل استمع لما قاله صلاح بدون تعليق. أثار صلاح خلال اللقاء ضرورة إطلاع القيادة السياسية بالبلاد على الموضوع، فبحسب تقديراتهم إنهم قد يحتاجون لاتخاذ قرارات سياسية بالدرجة الأولى، فالفرنسيون ضاغطون لحسم أمر كارلوس… اتفق الترابي مع صلاح دون أن يقُل كلمة. استغرب صلاح لزُهد الشيخ في ملف كارلوس، ولم يتحدَّث معه مرة أخرى فيه إلا في مناسبتين، إحداهما حين كان الشيخ مغادراً لأسبانيا عابراً بفرنسا، والمرَّة الأخرى قبيل اجتماعٍ شامل للقيادة السياسية في  نهاية العملية.

 

مشهد (109)

 

وصل كارلوس لمقر ناصر العليان بصحبة اثنين من أفراد الأمن الداخلي، اللذين تركاه عند الباب ليُخطرا العليان بالضيف. أكثر من ساعة استغرقها لقاء العليان بكارلوس. حين انتهى اللقاء، خرج كارلوس مسرعاً من غرفة العليان لعربته مباشرة حاملاً شنطة صغيرة.

 

حين استمع صلاح وحسب الله لما دار في اللقاء خلال الشريط الذي سجَّلاه، لم يلفت انتباههما شيء سوى دعوة العليان لكارلوس للإقامة باليمن إذا قرَّر مغادرة السودان، وكانت تلك المعلومة مفيدة جداً لتحرُّكاتهما المستقبلية.

 

مشهد (110)

 

حكت هناء لبلين كيف أنها التقت بكارلوس بجبل ”قيسون“ حين كانت تعمل مرشدة سياحية مع إحدى الشركات. وقالت لها إنها لم تتعرَّف على شخصيته الحقيقية إلا بعد الزواج، إلاَّ أنها لم تغيِّر رأيها فيه، وظلت تحبه رغم علمها بالمخاطر التي تحيط بحياته. وشرحت لها كيف عاشت معه أياماً خطرة في لبنان، وأثناء إقامتها معه بالأردن. كانت هناء منذ ليلة الحفل تلك قد أصبحت صديقة لبلين تقضي معظم لياليها برفقتها في كافتيريا مرمرة. أحبَّت هناء السودان من خلال بلين، وعرفت كثيراً عن السودانيين بفضل حكايات بلين عنهم وعن خصائصهم وفضائلهم.

 

مشهد (111)

 

كانت الساعة تشير إلى العاشرة مساء حين وصلت رسالة عاجلة لصلاح بأن كارلوس بمطار الخرطوم ولا يعرف تيم المراقبة كيف يتصرَّف. بعد عُدَّة استفسارات، قرَّر صلاح الذهاب لمطار الخرطوم لمعرفة ما يجري، وأمر تيم المراقبة بالسيطرة عليه وإخطار الأمن بالبوابة الأخيرة باحتجازه إذا قرَّر المغادرة. خشي صلاح أن يكون كارلوس قد قرَّر فجأة أن يغادر الخرطوم دون علمه، مما يُفسدُ كل خُططهم، ثم إن الفرنسيين إذا غادر كارلوس سيعتقدون أنهم غدروا بهم…

 

وصل صلاح لصالة المغادرة يراقب كارلوس من بعيد… شاهد صلاح كارلوس وهو يُودِّع  لُبنى التي كانت تعبُر البوابة الأخيرة لصالة المغادرة. توقف كارلوس ناظراً  للُبنى وهي تلج الصالة ملوِّحاً بيده تجاهها… تنفَّس صلاح الصعداء حين شاهد كارلوس خارجاً من الصالة باتجاه عربته.

 

مشهد (112)

 

حين التأم الاجتماع الصباحي للجهاز، شرح صلاح ما جرى بالأمس، قائلاً إن كارلوس كان في وداع زوجته الأردنية  لُبنى، ولم يكُن ينتوي المغادرة. إلا أن حسب الله فجَّر مفاجأة حين أعلن عن وصول فيليب روندو، مسئول ملف كارلوس في الشرطة الفرنسية للخرطوم فجأة ودون سابق إنذار، وكانت برقية قد وصلت لمقرِّ الجهاز في وقت متأخِّر من مساء الأمس تفيد بذلك. وبالفعل كان روندو بصحبة مدير مكتبه جيروم قد وصلا الخرطوم وهما الآن بالسفارة الفرنسية.

 

وضع وصول روندو للخرطوم بهذه الطريقة المُمسكين بالملف في مأزق حقيقي، إذ لم يتقرَّر الاتجاه الذي ستسلكه المفاوضات مع الفرنسيين بعد… ترك الاجتماع  الأمر في النهاية لصلاح وحسب الله اللذين قرَّرا بسرعة الترحيب بالسيد فيلب روندو وإكرام وفادته ثم إغراقه بالتفاصيل لكسب مزيد من الوقت، وإرجاعه لباريس بخُفي كارلوس!!

 

ايام كارلوس في الخرطوم.. مشهد (103) Reviewed by RIFT on April 21, 2022 Rating: 5

No comments:

نموذج الاتصال

Name

Email *

Message *

Powered by Blogger.
//]]>